لتفكر والتأمل .. صفة إنسانية روحانية، ربما ينظر البعض إليها على أنها حكر على الشعراء والأدباء والفنانين أو رجال الدين !! .. وأنا لست منهم من قريب أو بعيد … فأنا لست شاعراً يتأمل الغادة الحسناء أو جمال الطبيعة في البر والبحر وما فيهما من عوالم مختلفة، ولست رساماً لأصور روعة انسياب الماء وتألقه عند التقائه بأشعة الشمس .. ولست رجل دين محاط بكوكبة من المريدين والأتباع.. ولكني إنسان يحب التأمل والتفكر .. حتى في الأجهزة الميكانيكية الضخمة ومعامل إنتاج الكيماويات والمواد الأخرى !! إنها تأملات مهندس ..
stockxpertcom_id3398141_jpg_0cbafbcd0f1257c2df42f224ba81bc20

ياترى مالذي سنحصل عليه من التأمل في آلة صنعها الإنسان وليس شجرة من صنع الله ؟! ما الذي سنحصل عليه من خلال وصف مصنع يعج بمختلف المعدات الثقيلة وليس غابة من صنع الله؟! تساؤلات قد لا تروق للشعراء والفنانين ورجال الدين وغيرهم ممن يرون الروحانية والتأمل من زاوية واحده فقط ..
قبل سنوات قليلة كنت فرداً من فريق هندسي لبناء وتركيب محطة لتحلية مياه البحر لتصبح مناسبة للشرب… مشروع متوسط الضخامة أو قل صغير مقارنة بغيره من مشاريع تحلية المياه .. سار المشروع من مرحلة إلى أخرى حتى أصبح جاهزاً للعمل .. وإنتاج الماء ..
قبل أيام من افتتاح المشروع بدأت أنظر للمشروع مرة أخرى..  أراجع أوراقه وأستعيد الذكريات لبعض الصور الخاصة بمراحل البناء .. حينها لفت انتباهي حجم العمل الذي قد تم وعدد العمال والمهندسين المشاركين .. والأوقات التي قضيناها في استكمال المراحل الأخيرة (من 7 صباحاً وحتى 9 مساء) .. وحجم الطاقة المستخدمة .. وفي النهاية تكلفة المشروع التي قارعت عشرات الملايين من الدولارات الأمريكية… كل هذه الجهود والمصاريف من أجل ماذا ؟ من أجل إنتاج ماء عذب صالح للشرب والاستخدام البشري .. أو قل من أجل إنتاج قطرات من الماء!!
2
ورجعت بالذاكرة إلى أيام المدارس ودروس مادتي العلوم والجغرافيا..  وكيف تعلمنا عن المياه الجوفية، والمياه السطحية، وكيف استفاد منهما الإنسان وكذلك الحيوان؟..ياترى.. ماذا كلف إنتاج قطرة الماء؟ .. الشمس التي تعطي الحرارة والحرارة التي تؤدي إلى تبخر الماء .. فتتكون السحب .. التي تدفعها الرياح إلى حيث أراد الله .. فينزل المطر على الأرض فتهتز فرحاً بماء الرحمة الذي لم يكلف شيئاً .. فسبحان الله .. في هذه اللحظات وفي مثل تلك المقارنات تترسخ الكثير من المفاهيم التي تعلمناها جامدة في صفوف المراحل الإبتدائية .. في تلك اللحظات يكون لنشيد “ذاك العظيم في علاه” طعم أحلى ووقع أقوى .. وتكون قراءة قوله تعالى:”أفرأيتم الماء الذي تشربون* أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون* لو نشاء جعلناه أجاجاً فلولا تشكرون ..سورة الواقعة الآيات من 68-70 ” درساً عظيماً في التفكر والتأمل.. فهل لنا أن نتأمل في أنفسنا وفي ما حولنا ؟
ياترى ما هو الفرق (من الناحية المادية) بين ما صنع الله وبين ما نحاول صنعه ليكون مشابهاً لما صنع الله ؟ وفي هذا المثال تحويل الماء المالح إلى ماء عذب صالح للشراب..
أولاً صنع الله .. الشمس تبخر الماء وبخار الماء يتكثف في الأعلى فتتكون الغيوم والرياح تقود الغيوم إلى حيث ينزل المطر .. وانتهت العملية بشكلها العام الذي يعرفه الإنسان العادي.. بدون أي تكلفة مادية ..
image_00044
ثانياً صنع الإنسان .. هي عملية ليست معقدة في نظر المهندسين والمختصين .. أما من وجهة نظر المتابع العادي .. فهي معقده جداً لماذا؟
1- ماء البحر لا يحتوي على الملح فقط فهناك مكونات أخرى من أسماك وكائنات دقيقة وشيء من مخلفات السفن ومرتادي البحر (مثل بقايا شباك، وأخشاب، وأشياء كثيرة) لذلك من الضروري تنقيته وفلترته من كل الشوائب.. ولذلك تستخدم نوعيات مختلفة الأحجام من الفلاتر (أو المرشحات).. كما تستخدم الكيماويات لقتل الجراثيم وتجميع بقايا الأتربة بعيداً عن مصنع الانتاج.
2- تقوم مضخات كبيرة بدفع الماء المالح المنقى من الشوائب والجراثيم إلى منطقة الإنتاج حيث يتم تبخيره عن طريق غلايات تستخدم الوقود أو الغاز في تشغيلها .. يتم الضخ أحياناً عبر مسافات تصل إلى عدة كيلومترات.
3- يتم ضخ المزيد من الكيماويات للماء للتخلص من آثار الكيماويات التي وضعت في بداية العملية.
4- يخرج الماء مقطراً نقياً .. بدون أملاح !! ولكن مهلاً !!! فلا يستطيع الانسان شرب الماء بدون نسبة معينة من الأملاح !! وبدون هذه الأملاح يكون يكون الماء النقي مادة كيميائية مضرة!! لذلك يقوم المصنع بخلط الماء المنقى مع مياه الآبار حتى تعادل ملوحته النسبة الملائمة للشرب.  أو يتم تمرير الماء المنقى على مجموعة من الصخور التي تعطيه الأملاح اللازمة ليكون مناسباً للشرب.
5- تتخلل كل هذه العمليات عمليات موازية من توفير المواد الكيميائية وتجهيز معدات المختبر حتى يتم اختبار الناتج النهائي من مياه المصنع قبل ضخها إلى المستهلكين.
6- عمليات الصيانة الدورية مطلوبة جداً للمصنع وإلا توقف بعد سنة فقط من إنشائه أو أقل من السنة!!.
لو جمعت التكلفة المالية والبشرية للنقاط المذكورة فستصل حتماً إلى آلاف وملايين الدولارات فقط لجعل الماء صالحاً للشرب!!  بينما يعمل المصنع الإلهي للماء منذ آلاف السنين بشكل طبيعي على مبدأ كن فيكون ..
حاولت أن أبسط الفكرة قدر ما أستطيع لتوضيح الصورة للجميع أما الصورة الحقيقية ففيها الكثير من التفاصيل التي يعرفها المختصون..
دعوة خاصة للجميع في التأمل في ماحولهم حتى لوكانوا يعملون بعيدين عن الأشجار والأحجار والمحيطات والشلالات !! فقدرة الله في كل شيء وفي كل مكان لو تأملنا ثم تأملنا ثم تأملنا ..
أرجو الفائدة للجميع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

keyboard_arrow_up

جميع الحقوق محفوظة © الوسط الجزائري

close

أكتب كلمة البحث...